الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية المنصف بن مراد يتساءل: هـل يستثاق بالسياسيين فـــــــي تـــــونـــــس؟

نشر في  29 مارس 2017  (13:23)

لا يخفى على أحد انّ عددا هامّا من التونسيين طلّقوا السياسة ومعلنين سخطهم على السياسيين وعلى الخطاب المزدوج للأحزاب السياسيّة.. ففي زمن الترويكا كنّا نعتقد انّ النهضة وحزب المرزوقي بمعاضدة من حزب بن جعفر سيضمنون الحريات والنمو والاستقرار والأمن وسيولون أهمّية لمسألة الهوية في ظل حقوق الانسان وخاصّة المرأة.. لكن الأحزاب الحاكمة فتحت الأبواب أمام ثقافة العنف وممارسة الارهاب واركاع الدولة وتشغيل أنصارها وإن أدّى ذلك الى عجز ميزانية الدولة وافلاسها.. بتغيير النظام انتصبت أحزاب تدّعي الدّفاع عن «الثورة» وعن «الاسلام» وعن «الديمقراطية» وفي الأثناء كانت تؤسّس لنظام يرتكز على التشدّد الدّيني ويهندس لمجتمع العنف القامع للحريات ولخطاب ثوري يحرّض على الفوضى وتعويض نظام الدولة بنظام الأحزاب الفائزة التي تخدم مصالحها.. وهكذا أصبحت وزارة الدّاخلية ـ على سبيل المثال ـ وزارة التسامح مع الارهاب وتعنيف المعارضين وغضّ النظر عن الاغتيالات السياسيّة وإركاع الدولة التونسيّة.. أما وزارة العدل فكانت وزارة النهضة وتوظيف قضاة لخدمتها.. وفي ظلّ ذلك وجد الارهاب أرضيّة خصبة فترعرع واستشرى في حين عمت ثقافة المطلبية المفرطة وغابت ثقافة الواجبات لتحلّ محلّها ثقافة الحقوق..
وبين عشيّة وضحاها انتدبت الشركات والإدارة التونسيّة أكثر من 50.000 «مناضل» ينتمون لأحزاب الترويكا، من ذلك انّ شركة الخطوط التونسية الغارقة في الديون ألحقت بها أكثر من 1500 موظف جديد والحال أنّها تشكو تضخّما على مستوى الموظفين والعمّال وتخطّط لتسريح البعض منهم..

وبعد الانتخابات التشريعية والرئاسية ووعود حزب نداء تونس وفوزه، كان الناخبون ينتظرون ممارسة سياسية وبرامج اجتماعيّة وتنموية تتطابق مع تلك الوعود، لكن رئاسة الجمهورية وحزب نداء تونس تحالفا مع النّهضة فلم يتغيّر شيء بل شاهدنا عمليّة خبيثة ترمي الى إضعاف الحزب الفائز وذلك باختراقه من قبل «سفراء» من النهضة ضخّوا أموالا طائلة لشراء ذمم بعض المسؤولين والتأثير على حافظ قائد السبسي الذي ساهم في تقسيم نداء تونس.. لقد حدث كلّ ذلك بينما كان الرئيس يساند ابنه في طموحاته التي يرفضها كلّ عاقل! ثم استمعنا لرجل أعمال يزعم انّ مسؤولا في حزب النداء، (السيد طوبال) انتفع بضمان لشراء شقة بقيمة 300 ألف دينار في حين ادعى لزهر العكرمي انّ مسؤولا في النداء يتقاضى مرتّبا شهريا بستة آلاف دينار، علما انّ عددا من «ممثّلي» الشعب وقع استدراجهم لأحزاب أخرى بفضل الاغراءات! ولو وقع هذا في بلد غربي لأخذت الأمور مجرى آخر ولرفعت قضايا عدلية بل انّ الأوضاع في بلادنا أسوأ بما انّ كبار المهرّبين صاروا يموّلون أنشطة سياسيّة حزبية.. انّ المواطنين التونسيين وخاصّة منهم النّخبة الفاعلة فقدوا كل ثقة  بالأحزاب والخطب السياسيّة والوعود وربّما لن يشارك جزء كبير منهم في الانتخابات المقبلة لأنّ كل الطبقة السياسية لم تف بوعودها في حين يتشبّث اليسار بخطاب غير واقعي بل سريالي لا مكان له على أرض الواقع ولا يمكن تطبيقه في القرن الـ21..
اليوم أصبحت توجّهات الحكومة والديبلوماسيّة تخضع لمصالح النداء والنهضة ولا تخدم مصلحة تونس على الاطلاق بل تخدم دوام النهضة وما بقي من حزب النداء في الحكم، علما انّ حزب السيد راشد الغنوشي هو المساند الرسمي لبقاء حزب الباجي قايد السبسي في الحكم، على أن تكون الرؤية مشتركة في أغلب الملفّات والقضايا ويتمّ تقاسم المسؤوليات على مستوى الحكومة والرؤساء المديرين العامين والولاة والمعتمدين.. لقد اصبح النداء الرّهينة الطيّعة لدى حزب النهضة ولولا هذه المساندة لبات النداء من أحزاب الدرجة الثانية..
اليوم هناك شعور يجمع بين الغضب واليأس يجتاح نفوس عدد كبير من التونسيين بعد أن اتضح أنّ  الأغلبيّة الساحقة للأحزاب التونسية تفكر في مصالحها الضيّقة وليس لها مشروع لبناء تونس على أسس الحداثة والنّجاعة الاقتصادية والحياد المطلق للإدارة وديبلوماسيّة متزنة تراعي مصالح تونس دون سواها واعلام حرّ ذي مصداقيّة لا يخضع للأموال الفاسدة وقضاء مستقلّ ومشروع تنمية تقره الجهات والكفاءات ومناخ اجتماعي بعيد عن التّجاذبات ونظام تعليمي متطوّر وثقافة مزدهرة تكون محركا أساسيا لهذا المجتمع وثقافة عمل هي البديل الأوحد لثقافة الكسل والغيابات..

إنّه لا يوجد الآن حزب واحد له رؤية مستقبلية ومشروع وحلم لفائدة هذه البلاد ولهذا الشعب المغلوب على أمره.. لقد استغلت الطبقة السياسية تغيير النظام للانتفاع من النظام الجديد ولم يبق للعباد سوى عبارة «نحن في انتظار معجزة»..
كلمة أخيرة تخصّ الزّعيم الحبيب بورقيبة:
رغم بعض الأخطاء فإنّك ستبقى عملاقا لا يقدر عليه المرتزقة والأقزام..